لم يؤثر عن الشيخ أبي الحسن الشاذلي أنه ألف كتباً ولكن جمعت أقواله وحكمه في عدد من الكتب التي ألفها أتباع طريقته ومنها:
- لطائف المنن فى مناقب الشيخ أبى العباس المرسى وشيخه الشاذلى أبى الحسن لسيدي ابن عطاء الله السكندي، ويمكن تحميله من هنا: لطائف المنن
- كتاب المفاخر العلية في المآثر الشاذلية للشيخ أحمد بن محمد بن عياد الشاذلي ويمكن تحميله من هنا: المفاخر العلية
- درة الأسرار وتحفة الأبرار في مناقب الإمام الشاذلي لابن الصباغ من هنا: درة الأسرار
كلامه في الحقائق الإلهية
أورد الشيخ الشعراني هذه الكلمات له في طبقاته الكبرى: إننا لننظر إلى الله تعالى ببصائر الإيمان، والإيقان فأغنانا بذلك عن الدليل، والبرهان، وصرنا نستدل به تعالى على الخلق هل في الوجود شيء سوى الملك المعبود الحق فلا نراه، وإن كان، ولا بد من رؤيتهم فتراهم كالهباء في الهواء إن مسستهم لم تجد شيئاً، وكان يقول إذ امتلأ القلب بأنوار الله تعالى عميت بصيرته عن المناقص والمذام المقيدة في عباده المؤمنين، وكان يقول ذهب العمى، وجاء البصر بمعنى فانظر إلى لله تعالى فهو لك مأوى فإن تنظر فيه أو تسمع فمنه، وإن تنطق فعنه وإن تكن فعنده، وإن لم تكن فلا شيء غيره وكان يقول البصيرة كالبصر أدنى شيء يقع فيها يعطل النظر، وإن لم ينته الأمر إلى العمى فالخطرة من صفات الشرتشوش نظر البصيرة، وتكدر الفكر، والإرادة، وتذهب بالخير رأساً، والعمل به يذهب بصاحبه عن سهم من الإسلام فإن استمر على الشر تفلت منه الإسلام سهماً سهماً فإذا انتهى لي الوثيقة في العلماء والصالحين، وموالاة الظالمين حباً للجاه، والمنزلة عندهم فقد تفلت منه الإسلام كله، ولا يغرنك ما توسم به ظاهراً فإنه لا روح له فإن روح الإسلام حب الله ورسوله، وحب الآخرة، والصالحين من عباده، وكان يقول نظر الله عز وجل لا يمتد منه شيء إلا خلقه، ولا يقف في نظره، ولا ينعطف عن منظوره جل نظر ربنا عن القصور، والنفوذ والتجاوز والحدود، وكان رضي الله عنه يقول: أركز الأشياء في الصفات ركزها قبل وجودها ثم انظر هل ترى للعين أينا أو ترى للكون كانا أو ترى للأمر شأنا، وكذلك بعد وجودها.
وكان يقول: من ادعى فتح عين قلبه وهو يتصنع بطاعة الله تعالى أو يطمع فيما في أيدي خلق الله تعالى فهو كاذب، وكان يقول التصوف تدريب النفس على العبودية، وردها لأحكام الربوبية، وكان يقول الصوفي يرى وجوده كالهباء في الهواء غير موجود ولا معدوم حسب ما هو عليه في علم الله وسئل رضي الله عنه الحقائق فقال الحقائق هي المعاني القائمة في القلوب، وما اتضح لها، وانكشف من الغيوب وهي منح من الله تعالى، وكرامات، وبها وصلوا إلى البر، والطاعات ودليلها قوله لحارثة كيف أصبحت؟ قال أصبحت مؤمناً حقاً الحديث، وكان رضي الله عنه يقول من تحقق الوجود فني عن كل موجود، ومن كان بالوجود ثبت له كل موجود، وكان يقول: أثبت أفعال العباد بإثبات الله تعالى، ولا يضرك ذلك، وإنما يضرك الإثبات بهم، ومنهم، وكان يقول أبي المحققون أن يشهدوا غير الله تعالى لما حققهم به من شهود القيومية، وإحاطة الديمومية، وكان يقول حقيقة زوال الهوى من القلب حب لقاء الله تعالى في كل نفس من غير اختبار حالة يكون المرء عليها وكان يقول حقيقة القرب الغيبة بالقرب عن القرب لعظم القربة، وكان يقول لن يصل العبد إلى الله وبقي معه شهوة من شهواته، ولا مشيئة من مشيئاته، وكان يقول: الأولياء يفنون عن كل شيء بالله تعالى وليس لهم معه تدبير، ولا اختيار: والعلماء يدبرون، ويختارون، وينظرون، ويقتبسون، وهم مع عقولهم، وأوصالهم دائمون، والصالحون، وإن كانت أجسادهم معرسة ففي أسرارهم الكزازة، والمنازعة ولا يصلح شرح أحوالهم إلا لولي في نهايته فحسبك ما ظهر من صلاحهم، واكتف به عن شرح ما بطن من أحوالهم، وكان رضي الله عنه يقول لا تختر من الأمر شيئاً، واختر أن لا تختار، وفر من ذلك المختار فرارك من كل شيء إلى الله تعالى: " وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة " وكل مختارات الشرع وترتيباته فهي مختار الله ليس لك منه شيء، وبد لك منه، واسمع، وأطع، وهذا موضع الفقه الرباني والعلم الإلهي وهي أرض لعلم الحقيقة المأخوذة عن الله تعالى لمن استوى فافهم، وكان يقول كل ورع لا يثمر لك العلم، والنور فلا تعد له أجراً وكل سيئة يعقبها الخوف، والهرب إلى الله تعالى فلا تعد لها وزراً، وكان يقول لا ترقي قبل أن يرقي بك فتزل قدمك، وكان يقول: أشقي الناس من يعترض على مولاه وأكرس في تدبير دنياه، ونسي المبدأ، والمنتهى والعمل لأخراه،
وكان يقول أوصاني أستاذي رحمه الله تعالى فقال: جدد بصر الإيمان تجد الله في كل شيء، وعند كل شيء ومع كل شيء وفوق كل شيء، وقريباً من كل شيء، ومحيطاً بكل شيء بقرب هو، وصفه، وبإحاطة هي نعته، وعد عن الظرفية، والحدود، وعن الأماكن، والجهات، وعن الصحبة، والقرب بالمسافات، وعن الدور بالمخلوقات وامحق الكل بوصفه الأول، والآخر، والظاهر والباطن كان الله ولا شيء معه، وكان رضي الله عنه يقول: من غفل قلبه اتخذ دينه هزواً، ومن اشتغل بالخلق اتخذ دينه لعباً، وكان يقول: إذا كان من يعمل على الوفاق لا يسلم من النفاق فكيف بغيره، وكان رضي الله عنه يقول: الكاملون حاملون لأوصاف الحق وحاملون لأوصاف الخلق فإن رأيتهم من حيث الخلق رأيت أوصاف البشر، وإن رأيتهم من حيث الحق رأيت أوصاف الحق التي زينهم بها فظاهرهم الفقر وباطنهم الغنى تخلقاً وبأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " ووجدك عائلا فأغنى " أفتراه أغناه بالمال كلا، وقد شد الحجر على بطنه من شدة الجوع وأطعم الجيش كله من صاع، وخرج من مكة على قدميه ليس معه شيء يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال، وكان يقول ضيق اليد شرف لكل الناس أو لقطب أو خليفة أو أمين لا يخون الله تعالى: برؤية نفسه على من ينفق عليه من العيال، والفقراء طرفة عين.
وكان يقول: العلوم التي وقع الثناء على أهلها وإن جلت فهي ظلمة في علوم ذوي التحقيق، وهم الذين غرقوا في تيار بحر الذات، وغموض الصفات فكانوا هناك بلا هم وهم الخاصة العليا الدين شاركوا الأنبياء، والرسل عليهم الصلاة والسلام في أحوالهم فلهم فيها نصيب على قدر إرثهم من مورثهم قال: النبي صلى الله عليه وسلم: " العلماء ورثة الأنبياء عليهم الصلاة، والسلام " أي يقومون مقامهم على سبيل العلم، والحكمة لا على سبيل التحقيق بالمقام، والحال فإن مقامات الأنبياء عليهم الصلاة، والسلام قد جلت أن يلمح حقائقها غيرهم، وكأن يقول: كل وارث في المنزلة الموروثة لا يكون إلا بقدر مورثه فقط قال تعالى: " ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض " كما فضل بعضهم على بعض كذلك فضل، ورثتهم على بعض إذ الأنبياء عليهم الصلاة، والسلام أعين للحق، وكل عين يشهد منها على قدرها، وكل ولي له مادة مخصوصة وكان يقول الأولياء على ضربين صالحون، وصديقون فالصالحون أبدال الأنبياء، والصديقون أبدال الرسل. فبين الصالحين، والصديقين في التفضيل كما بين الأنبياء، والمرسلين منهم طائفة انفردوا بالمادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يشهدونها عين يقين، وهم قليلون وفي التحقيق كثيرون، ومادة كل نبي، وكل ولي بالأصالة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن من الأولياء من يشهد عينه، ومنهم من تخفى عليه عينه، ومادته فيفنى فيما يرد عليه، ولا يشتغل بطلب مادته بل هو مستغرق بحاله لا يرى غير وقته ومنهم طائفة أيضاً مدوا بالنور الإلهي فنظروا به حتى عرفوا من هم على التحقيق.
وكان يقول: ومن أمده الله تعالى بنور العقل الأصلي شهد موجوداً لا حد له، ولا غاية بالإضافة إلى هذا العبد واضمحلت جميع الكائنات فيه فتارة يشهدها فيه كما يشهد البناء بيتاً في الهواء بواسطة نور الشمس، وتارة لا يشهدها لانحراف نور الشمس عن الكوة، فالشمس التي يبصر بها هو العقل الضروري بعد المادة بنور اليقين، وإذا اضمحل هذا النور ذهبت الكائنات كلها، وبقي هذا الموجود فتارة يفنى، وتارة يبقى حتى إذا أريد به الكمال نودي فيها نداء خفياً لا صوت له فيمد بالفهم عنه إلا أن الذي يشهده غير الله تعالى: ليس من الله في شيء فهناك ينتبه من سكراته فيقول: يا رب أثبتني، وإلا أنا هالك فيعلم يقيناً أن هذا البحر لا ينجيه منه إلا الله عز وجل فحينئذ يقال له: إن هذا الموجود هو العقل الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أول ما خلق الله العقل " فأعطى هذا العبد الذل، والانقياد لنور هذا الموجود إذ لا يقدر على حده، وغايته فإذا أمد الله هذا العبد بنور أسمائه قطع ذلك كلمح البصر أو كما شاء الله تعالى: " برفع درجات من نشاء " ثم أمده الله تعالى: بنور الروح الرباني فعرف هذا الموجود فرقي إلى ميدان الروح الرباني فذهب بجميع ما تحلى به هذا العبد، وما تخلى عنه بالضرورة، وبقي كلا موجود ثم أحياه الله بنور صفاته فأدرجه بهذه الحياة في معرفة هذا الموجود الرباني فلما استنشق من مبادئ صفاته كان يقول: هو الله فإذا لحقته العناية الأزلية نادته إلا أن هذا الموجود هو الذي لا يجوز لأحد أن يصفه بصفة، ولا أن يعبر عنه بشيء من صفاته لغير أهله لكن بنور غيره يعرفه فإذا أمده الله بنور سر الروح وجد نفسه جالساً على باب ميدان السر فرفع همته ليعرف هذا الموجود الذي هو السر فعمى عن إدراكه فتلاشت جميع أوصافه كأنه ليس بشيء فإذا أمده الله تعالى بنور ذاته أحياه حياة باقية لا غاية لها فينظر جميع المعلومات بنور هذه الحياة، ووجد نور الحق شائعاً في كل شيء لا يشهد غيره فنودي من قريب لا تغتر بالله فإن المحجوب من حجب عن الله بالله إذ محال أن يحجبه غيره، وهناك يحيا حياة استودعها الله تعالى فيه ثم قال يا رب أعوذ بك منك حتى لا أرى غيرك، وهذا هو سبيل الترقي إلى حضرة العلي الأعلى، وهو طريق المحبين الذين هم أبدال الأنبياء عليهم الصلاة، والسلام، وما يعطيه الله تعالى لأحدهم من بعد هذا المنزل لا يقدر أحد أن يصف منه ذرة، والحمد لله على نعمائه، وأما طريق المحبوبين الخاصة بهم فإنه ترق منه إليه به إذ محال أن يتوصل إليه بغيره فأول قدم لهم بلا قدم إذ ألقى عليهم من نور ذاته فغيبهم بين عباده، وحبب إليهم الخلوات، وصغرت لديهم الأعمال الصالحات وعظم عندهم رب الأرضين، والسموات فبينما هم كذلك إذ ألبسهم ثوب العدم فنظروا فإذا هم لا هم ثم أردف عليهم ظلمة غيبتهم عن نظرهم فصار نظرهم عدماً لا علة له فانطمست جميع العلل، وزال كل حادث فلا حادث، ولا وجود بل ليس إلا العدم الذي لا علة له فلا معرفة تتعلق به اضمحلت المعلومات وزالت المرسومات زوالا لا علة فيه، وبقي من أشير إليه لا، وصف له ولا صفة، ولا ذات، واضمحلت النعوت، والأسماء، والصفات كذلك فلا اسم له ولا صفة، ولا ذات فهنالك ظهر من لم يزل ظهوراً لا علة فيه بل ظهر يسره لذاته في ذاته ظهوراً لا أولية له بل نظر من ذاته لذاته في ذاته وهناك يحيا العبد بظهوره حياة لا علة لها وصار أولا في ظهوره لا ظاهراً قبله فوجدت الأشياء بأوصافه، وظهرت بنوره في نوره سبحانه، وتعالى ثم يغطس بعد ذلك في بحر بعد بحر إلى أن يصل إلى بحر السر فإذا دخل بحر السر غرق غرقاً لا خروج له منه أبد الآباد فإن شاء الله تعالى بعثه
نائباً عن النبي صلى الله عليه وسلم، يحيى به عباده، وإن شاء ستره يفعل في ملكه ما يشاء فهذا عنبرة من طريقي الخصوص، والعموم فتنبه. انتهى.اً عن النبي صلى الله عليه وسلم، يحيى به عباده، وإن شاء ستره يفعل في ملكه ما يشاء فهذا عنبرة من طريقي الخصوص، والعموم فتنبه. انتهى.